مركز مشروع سيزام (SESAME) |
ويقول تقرير نشره موقع فرانس 24 الثلاثاء 13 ديسمبر/كانون الأول إن مشروع المسرّع الضوئي الخاص بأبحاث العلوم التجريبية والتطبيقية في الشرق الأوسط "سيزام" هو أول مركز أبحاث دولي يشيد في الشرق الأوسط ويجمع دوله حول أهداف علمية بحتة تساهم في نشر السلام وخلق مستقبل أفضل لشعوب المنطقة بعيدا عن الخلافات السياسية الطاحنة.
ويقع مقر هذا المركز العلمي بالقرب من مدينة السلط الأردنية. وقد تأسس المشروع الذي سيفتتح في 16 مايو/أيار 2017 على شاكلة "المركز الأوروبي للأبحاث النووية" في سويسرا وبرعاية اليونيسكو، وبمشاركة مصر وإيران وإسرائيل والبحرين والأردن وباكستان وتركيا وفلسطين وقبرص، إضافة إلى دول أخرى بصفة مراقب مثل الصين والبرازيل والاتحاد الأوروبي وسويسرا والولايات المتحدة والسويد وبريطانيا.
التقرير يؤكد أن هذه الدول التي بين بعضها ما صنع الحداد، قد قررت بناء هذا "السنكروترون" العملاق والمكلف بهدف وحيد يتمثل في سبر أغوار المادة.
هذا المشروع الذي يوشك أن يكتمل إنجازه، بحسب المعلومات التي تضمنها التقرير عن أقسامه وخصائصه العلمية الدقيقة، قال عنه الفيزيائي الإسرائيلي أليعازر رابينوفيتشي نائب رئيس المشروع :"طوال حياتي تربيت على فكرة ضرورة بناء وتحقيق السلام مع جيراننا، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة السنكروترون عصر يوم داخل مقهى .. أثناء احتسائي القهوة مع أحد زملائي سيرجيو فوبيني الذي اقترح إنشاء وحدة تعاون علمية للشرق الأوسط".
بطبيعة الحال من الصعب تصديق أن فكرة جاءت بعد تناول فنجان قهوة، مهما كانت نبيلة وسامية يمكن أن تغير تاريخ الشرق الأوسط أو أن تقرب بين دوله التي يجمع بعضها تاريخ دموي وبحور من الكراهية والتناقضات وتضارب المصالح.
فهل يا ترى سيلهي سبر "أغوار المادة" الفرقاء في الشرق الأوسط عن الصراع والتقاتل والتنافس ليصبح جلّ همّ ساسة المنطقة وخبرائها وشعوبها متابعة عمليات اكتشاف أغوار المادة؟
وماذا يمكن أن يقدم هذا "السنكروترون" لقضايا المنطقة المزمنة؟ هل سيسبر مثلا أغوار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويحل عقده المستعصية منذ 68 عاما؟
أم أنه ما أن يسبر هذا المسرّع الإلكتروني العملاق أغوار المادة ويبدأ في تفحصها ستتبخر التناقضات بين أشد الخصوم عداء، وتختفي المشاكل والأزمات التي تتسع مع الزمن ولا تضيق، تزداد ولا تنقص؟
SESAME هو الاسم المختصر لمشروع Synchrotron-Light for Experimental Science and APPLICATIONS in the Middle East ومركزه الأردن.
بإيجاز، ومن دون الدخول في التفاصيل العلمية للمسألة، هذا أوّل مشروع مسرّع جزيئات في الشرق الأوسط، شبيه بمشروع CERN الموجود في أوروبا، ولكن بحجم أصغر بكثير، وبمهمّات أقل عمقًا وجذرية وتكلفة، ولكن الإفادة منه بالنسبة إلى علماء المنطقة وطلابها ومشاريعهم وبحوثهم في المجالات التي ترتبط بالذرة (في الفيزياء والطب والالكترونيات...) إفادة كبيرة جدًا.
ساهم الفيزيائيان "هيرمان وينيك" و"غوستاف أدولف فوسّ" باستحضاره إلى منطقتنا بعدما علما عام 1997 بأن ألمانيا تنوي إتلاف مسرّع جزيئات قديم، فطرحا فكرة إرساله إلى الشرق الأوسط بدل تلفه، ودخلت الأونيسكو ومجموعة لاعبين على الخط لإنجاح الطرح، وليكون هذا المشروع "جسرًا علميًا للسلام والتعاون بين دول الشرق الأوسط"، في عملية استخدام جديدة للعلم في العلاقات الدولية.
يعمل فيه علماء من دول عدة، من بينها إسرائيل وإيران ودول عربية. وكان يمكن الاكتفاء بالقراءة السطحية للمشروع على أنه "تعاون علمي بعيد من السياسة ومشكلاتها، ولا دخل للحكومات فيه"، لو أننا نتكلم عن شق علمي لا يحمل الطابع المهم والاستراتيجي الذي يحمله العلم النووي والذري بكل أشكاله، والذي يحتّم دخول الدول بكل أجهزتها و"عيونها" على خطوط مساره.
كانت قد بدأت تظهر منذ أواخر عام 1995 ملامح التعاون العلمي المصري-الإسرائيلي خصوصاً بعد الاجتماع الشهير في خيمة بدوية بين وزيرة العلوم المصرية الدكتورة فينيس غودة وبين البروفيسور في الجامعة العبرية في القدس إليعازر رابينوفيشي وهو عضو في مجموعة التعاون العلمي الشرق الأوسطي (MESC) التي بدأت سعيًا حثيثًا لتحقيق التعاون العلمي في المنطقة، بعد هذا الاجتماع.
وفي عام 1998، وبعدما وجد اقتراح مشروع SESAME طريقه نحو التحقق، وُجّهت دعوة لسعيد عساف (المدير العام لمركز عرفات العلمي الوطني للأبحاث التطبيقية في رام الله التابع للسلطة الفلسطينية) لحضور مؤتمر في مؤسسة وايزمان للعلوم في إسرائيل، تعرّف فيه إلى المشروع المقترح، وأُعجب بالفكرة. أعدّ عساف من بعدها لقاءً مع ياسر عرفات (الحاصل على شهادة في الهندسة من جامعة الملك فهد في مصر) بحضور رئيس المشروع "هرفيغ شوبّر" والمدير العام للعلوم في اليونيسكو "ماوريتزيو لاكّارينو"، حيث تحمّس عرفات جدًّا للطرح، وطلب أن يكون مركز SESAME في الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية.
أخذت المشاورات سنوات عدة، إلى أن عُقد المؤتمر الأول للمشروع في 5 و6 كانون الثاني 2003 في عَمّان بالأردن (حيث تقرر أن تكون الأردن مركز المشروع، وفي ما بعد قدّمت الحكومة الأردنية أرضًا وتكفّلت بتكاليف البناء)، وذلك بعدما وصل عدد الدول التي طلبت الانضمام إلى ستّ، وهو العدد الأدنى المطلوب في اتفاقية المشروع للإعلان عن انطلاق السير به.
وبحسب وثيقة ويكيليكس 03AMMAN268 وإلى جانب الدول الستّ (البحرين، #مصر، #إيران، الأردن، السلطة الفلسطينية وتركيا) حضر المؤتمر ممثّلان عن إسرائيل، رافقتهما حراسة أمنية مشددة، للبحث في مسألة دخول إسرائيل كدولة سابعة إلى المجموعة وأخذ الردّ من الأعضاء على رسالة استيضاح كان قد أرسلها الجانب الإسرائيلي قبل أيام تتعلّق بمعرفة مقدار المساهمة المالية المتوجبة على الدول الأعضاء في SESAME.
وبحسب وثيقة أخرى لويكيليكس (03AMMAN4807)، فإن الاجتماع الثاني للمجموعة والذي عُقد في تموز من العام نفسه، ضمّ رسميًا 9 دول هي إسرائيل وباكستان والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الدول الست المؤسسة. وتجدر الإشارة إلى أن قبول دولة جديدة كعضو في المشروع، يجب أن يحصل على إجماع الدول الأعضاء الموجودين، أي أن دخول إسرائيل حصل على موافقة إيران والدول العربية المشاركة.
المسألة الأهم التي جرت في المؤتمر كانت طلب رئيس لجنة التدريب، وهو عالم إيراني، أن تجرى الدورة القادمة من تدريبات العلماء والطلاب المشاركين في المشروع في مدينة أصفهان في إيران، فتوقّف الجانب الإسرائيلي عند مسألة إمكان سفرهم إلى إيران، وتقرر بعد نقاش مطوّل أن يتقدّم الإسرائيليون بطلبات تأشيرات الدخول، وإن مُنعت عنهم، يُنقَل مكان التدريب إلى دولة أخرى. كما بُحث في هذا المؤتمر بطلب ليبيا الدخول إلى المجموعة، وتقرّر أن يرجع المجتمعون، كلٌّ إلى دولته، للوقوف على القرار السياسي للحكومات المشاركة، والعودة بالموافقة أو بالرفض على الطلب الليبي.
يحظى مشروع SESAME بدعم دولي كبير وتساهم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وغيرها (وهي تحمل صفة دولة مراقبة للمشروع) في تمويله وتأمين المعدات له، من دون أن تكون دولًا أعضاء. وحين كانت تتعثّر مسألة تأمين التمويل الكافي لاستمراره، كانت تُعقد لقاءات على مستوى رفيع بين ممثلين عن بعض الدول الأعضاء، كاللقاء الذي حصل في آذار 2012 في فندق بعمّان، جمع ممثلين عن إيران وإسرائيل وتركيا والأردن، تقرر فيه تأمين 5 ملايين دولار من كل دولة لصالح المشروع العلمي المشترك، بعد اجتماع مهم وودّي بين ممثلّين عن إسرائيل و2 عن فلسطين و1 عن تركيا و2 رفيعي المستوى عن إيران.
وبحسب قول رابينوفيتشي، فإن المسألة حظيت بمباركة أكاديمية العلوم الإسرائيلية ووزارات العلوم والمالية والخارجية، ولجنة التخطيط والموازنة. وبالطبع تأثرت المساهمات الإيرانية في المشروع نتيجة العقوبات، ولكن الرئيس الإيراني حسن روحاني وعد بدفع حصة بلاده في SESAME بعد تطبيق الاتفاق النووي ورفع العقوبات.
بالنسبة إلى الإيرانيين، ثمة جانب جدلي يخص المشاركة في هذا المشروع. فإلى جانب المردود العلمي والتقني، وإيجابيات التواجد في المراكز الإدارية المتقدّمة فيه (محمود تبريزي في اللجنة الاستشارية العلمية، جواد رحيقي في اللجنة الاستشارية للتدريب، السيد محمود رضا أغاميري كنائب لرئيس المجلس المشرف على المشروع بين كانون الأول 2011 وأيار 2014، والبروفيسور باباك شكري كعضو في المجلس...)، إلّا أنه يعرّض علماءهم لخطر الانكشاف أمنيًا.
فمعلوم أنّ ثلاثة علماء نوويين إيرانيين أساسيين، من بين أهم العلماء الذين اغتيلوا أو استهدفوا داخل إيران، عملوا في مشروع SESAME أو شاركوا في أحد مؤتمراته، وهم مسعود علي محمدي ومجيد شهرياري وفيريدون عباسي دافاني (هذا الأخير نجا من محاولة الاغتيال)، الذين استُهدفوا عام 2009، ووقف زملاؤهم في SESAME دقيقة صمت على أرواحهم في المؤتمر الذي عُقد أواخر العام نفسه.
هذا المشروع فيه التقاء بين إيرانيين وإسرائيليين وعرب، وبعلم الحكومات وإشرافها اللصيق ومباركتها، وفيه أيضًا خطر على العلماء النوويين الإيرانيين، فلماذا تستمرّ إيران فيه إذا كان خطابها الإيديولوجي (الموت لإسرائيل، وتحرير القدس) هو الخطاب الحقيقي والطاغي؟ بكل بساطة، إنّ المصالح هي الطاغية،
ومشروع بهذه الأهمية العلمية والتقنية (والمردود المالي مستقبلًا) يُنسي جميع المشاركين ألحان الخطابات الرنانة في القضية والعقيدة والإيديولوجيا، فهو يضعهم على سكة الاكتشافات الأحدث في عالم الذرة، ويقرّبهم من القفزة الحضارية القادمة التي سترتكز على قفزة في عالم الطاقة، والتي بدأت ملامحها بالظهور من خلال مختبرات الانصهار النووي والمشروعين الأساسيين في هذا المضمار. فأين إيران منهما؟ وما آثار مشاركتها في واحد منهما على بنية برنامجها النووي وعلى دور الحرس الثوري مستقبلًا؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق