![]() |
أمير المجاهدين أبوعبد الله أسد بن الفرات بن سنان |
كان أسد بن الفرات على عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة السلف الصالح لذلك كان من أشد علماء المغرب على أهل البدعة، معروفا بنشر السنة حتى خارج أفريقية 'تونس الأن' وكان يكثر من تقريع المبتدعين، قرأ يوما قوله عز و جل 'إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى' ثم قال 'يا ويل أهل البدع يزعمون أن الله عز وجل قد خلق كلامه، آمنت بالله عز وجل، وبأنه قد كلم موسى تكليما، وأن الكلام غير مخلوق، ولكن لا أدرى كيفيته' .
لم يكن أسد بن الفرات من هذا النوع السلبي من العلماء الذين يقبعون خلف كتبهم ومصنفاتهم ومحابرهم ولا يتحركون بعلمهم بين الناس، بل كان من العلماء العاملين وأيضا من كبار المجاهدين فى سبيل الله، فلقد ورث حب الجهاد عن أبيه الذي كان أمير المجاهدين في حران والذي حمل ولده الصغير 'أسد' وخرج به مجاهدا فى سبيل الله، فشب عالما نابها وأيضا جنديا جريئا، وبحارا مغامرا، حتى أنه في سن الشباب وقبل أن يقوم برحلته العلمية المشهورة اشترك فى العديد من المعارك البحرية في مياه البحر المتوسط، ويقول العلامه ابن خلدون أن أسد بن الفرات هو الذى افتتح جزيرة 'قوصرة' وهي جزيرة صغيرة تقع شرقي تونس الآن.
حيث كانت أفريقية أو تونس واقعة تحت حكم دولة الأغالبة التي استقلت بحكم البلاد منذ سنة184هجرية ولكنها كانت تابعة للدولة العباسية، وكانت هذه الدولة في بداياتها معنية بأمر الجهاد ونشر الإسلام، فاتجه ولاة هذه الدولة بأبصارهم ناحية الجزر الكبرى الواقعة في منتصف البحر المتوسط مثل جزيرة صقليه، وكورسيكا، وسردانيه، وغيرها ولكن التركيز الأكبر كان على جزيرة صقلية.
استنفر 'زيادة الله' الناس للجهاد وفتح صقلية فهرعوا لتلبية النداء وجمعت السفن من مختلف السواحل و بحث ابن الأغلب عمن يجعله أميرا لتلك الحملة البحرية الكبيرة فلم يجد خيرا ولا أفضل من الأسد الهصور والبطل المقدام 'أسد بن الفرات' على الرغم من كبر سنه في هذه الفترة ربيع الأول 212 هجرية أي سبعين عاما، وكان هذا الاختيار دليلا على فورة المشاعر الإسلامية في هذه الفترة والأثر الكبير لعلماء الدين الربانيين على الشعب المسلم، وكان أسد بن الفرات يبدى رغبته فى هذه الغزوة كواحد من المسلمين لأنه كان محبا للجهاد عالما بمعانى ومقتضيات آيات النفرة فى سبيل الله ودور العلماء فى ذلك وأيضا كان يكره الشهرة والرياء ولكن ابن الأغلب أصر على أن يتولى قيادة الحملة العسكرية وأيضا يكون قاضيا للحملة أي جمع له القيادة الميدانية والروحية لعلمه بمكانة أسد بن الفرات وأثره في الناس وحبهم له .
خرج أسد بن الفرات من القيروان في حملة عسكرية كبيرة قوامها عشرة آلاف من المجاهدين المشاة وسبعمائة فارس بخيولهم فى أكثر من مائة سفينة كبيرة وصغيرة خرجت من ميناء سوسة على البحر المتوسط وسط جمع عظيم من أهل البلد الذين خرجوا لتوديع الحملة المجاهدة.
تحرك الأسطول الإسلامى يوم السبت 15 ربيع الأول سنة 212 هجرية متجها إلى جنوبي جزيرة صقلية وبالفعل وصلت الأساطيل المسلمة إلى بلدة 'فازر' في طرف الجزيرة الغربي بعد ثلاثة أيام من الإبحار أى يوم الثلاثاء، ونفذ أسد بن الفرات على رأس جنده إلى شرقي الجزيرة، وهناك وجد قوة رومية بقيادة الثائر 'فيمي' الذي طلب مساعدة 'ابن الأغلب' لاستعادة حكمه على الجزيرة، وعرض 'فيمى' على 'أسد بن الفرات' الاشتراك معه في القتال ضد أهل صقلية ولكن القائد المسلم العالم بأحكام شريعته المتوكل على الله عز وجل وحده يرفض الاستعانة بالمشركين تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم الذي رفض الاستعانة باليهود يوم أحد .
![]() |
صورة لخارطة جزيرة صقلية كما رسمها بيري ريس في كتابه البحرية |
بعد هذا الانتصار الحاسم واصل أسد بن الفرات زحفه حتى وصل إلى مدينة 'سرقوسة' ومدينة 'بلرم' فشدد عليها الحصار وجاءته الإمدادات من 'إفريقية' واستطاع أسد بن الفرات أن يحرق الأسطول البيزنطي الذي جاء لنجدة 'بلرم' وأوشكت المدينة على السقوط ولكن حدث ما لم يكن فى الحسبان؛ حيث حل بالمسلمين وباء شديد أغلب الظن أنه الكوليرا أو الجدري فهلك بسببه عدد كبير من المسلمين فى مقدمتهم القائد المقدام 'أسد بن الفرات' فلاقى حمام الموت مرابطا مجاهدا بعيدا عن أهله وبيته وحلق دروس العلم، مجافيا لفراشه وداره، مؤثرا مرضات ربه ونصرة دينه، وذلك فى شعبان سنة213هجرية، فجمع بين خصال الخير كلها من علم وورع، وجهاد وشهادة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق